الأمنيات بين السراب والخوف

Spread the love

لا أعلم، على وجه الحقيقة، كيف يمكنني أن أواجه هذا العالم. لقد يئست من المحاولة، فما الجدوى في النهاية؟ أريد النجاة لي ولأحبائي، لكن لا شيء يحدث. فقط الكثير من الخوف والقلق والخطر، والقليل من الأمل الذي يقل يومًا بعد يوم، كأنما شجرة تحترق ببطء.

لقد غدر بنا العالم يا أمي، أو ربما نحن من خنّاه. على كل حال، لم يعد هناك مكان للبكاء أو الصياح. فقط سأمضي كما الذئاب، وحيدًا، أتذكر الأيام والليالي التي امتلأت بالأحلام والخيالات. في وقتها، كانت تبدو واعدة ومفعمة بالحياة، لكن الآن أصبحت عبئًا ثقيلًا على كاهلي كلما تذكرتها.

كم تمنيت لو أن هذه الذكريات تُمحى من ذاكرتي إلى الأبد، لعلني أجد الخلاص في النسيان. لكن هيهات! لمن حفرت أحلامه في ثنايا عقله أن يمحوها مجرد التمني. الأحلام لا تُمحى إلا حين تتحول إلى واقع. وما أنا فيه لا يبشر بأي شيء. لا شيء سوى الخوف والقلق وانعدام الحيلة.

حتى هذه الكلمات التي أكتبها، أكتبها بغضب بالغ لا أعلم له سببًا، ربما لأنه يحدق في آلامي بغِلّ. هيهات للزمان أن يعود، وهيهات للأحلام أن تُبعث من جديد.

إنه السعي الذي لطالما حلمنا به، لكنه لم يعد له مكان في قلوبنا. تمنيت لو أن لي طريقًا أسير فيه، أن أظل في السباق ولو للحظة. لكنني، يومًا، لم ألتحق بهذا السباق. فقط تمنيت لو التحقت به.

في هذا العالم المليء بالفوضى، تتلاشى الأحلام كما يتلاشى الدخان في الهواء. كل يوم يمر، أشعر أنني أُجَر بعيدًا عن نفسي، بعيدًا عن ذلك الشخص الذي كنت أراه في مرآة المستقبل. أين ذهب؟ هل ابتلعته الظلال؟ أم أنني دفنته تحت ثقل التوقعات والخيبات؟

أجلس في زوايا هذه الغرفة التي أصبحت عالمي الصغير. أراقب الجدران التي تحمل آثار الزمن، كأنها شاهدة على انكساراتي. في زاوية ما، تلك الأحلام التي أوهمت نفسي بها، بأنني سأصبح فتيً لا تخطأه العين، بأنني سأصبح واحدًا من أهل القمم والهمم، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر.

كنت أمني نفسي بأنني سأجد طريقي للخلاص من الحزن، وسأسعد بما حققته. لكنني أستيقظ كل مرة على وقع الألم، كلما تساقط دهان سقف الغرفة على رأسي ليذكرني بمكاني، ويعيدني إلى واقعي البائس، حيث يجب أن أحتفظ بقارورة أحلامي، مقفلة بإحكام.

لكن، أين هذا الطريق؟ كل الطرق تبدو مغلقة، أو ربما أنا الذي فقدت القدرة على السير. أسمع من بعيد أصوات الناس، يضحكون، يصرخون، يركضون. كل صوت منهم يحمل حياة، يحمل حركة، وأنا هنا، ثابت كالصخرة، أُطحن بين ثنايا الزمن.

أتساءل: ما الذي يجعل البعض قادرًا على مواجهة هذا العالم؟ هل لديهم سرّ لا أعرفه؟ هل يمتلكون قوة خفية تجعلهم يقفون رغم كل شيء؟

في أحد الأيام، كنت أسير في شوارع المدينة المزدحمة. أراقب الناس بعيني الغريب، كأنني زائر من عالم آخر. أتساءل: كيف يمكنني النفاذ إلى هذا العالم حقيقة؟ أشعر أنني معزول عن هذا العالم بالكثير من الموانع. أو ربما لست كفئًا لأكون جزءًا منه، لا أعلم.

لكنني أراقب دائمًا، وأتقلب بين كل حين وآخر، علني أجد الخلاص. أصر على ذلك في كل مرة، رغم أن النتائج دائمًا هي ذاتها.

الإصرار… هل هو ما أحتاجه؟ ربما. لكن من أين أستمده؟ من أين أجد في داخلي تلك الشرارة التي تعيد لي الحياة؟

في الليل، كنت أجلس وأتأمل السماء. النجوم، رغم بعدها، كانت تشع كأنها تخبرني أن هناك ضوءًا، حتى في أحلك الظلمات. ربما هذا ما أحتاجه، مجرد بصيص صغير أتبعه. لكنني لا أجده.

أتمنى من كل قلبي أن تأتي رسالة بسيطة، تخبرني أن أستمر قليلاً، وأن النهاية ستكون خيرًا. لكن الخوف دائمًا أقوى من أي شعور آخر.

وفي النهاية، قررت أن أكتب. أن أخرج كل ما في داخلي على الورق. الكلمات، رغم قسوتها أحيانًا، كانت تنساب بسهولة، كأنها تبحث عن مخرج. بدأت أكتب عن كل شيء: الخوف، الألم، الأمل، الأحلام، وحتى الفشل.

كل كلمة كتبتها شعرت أنها تنزع عني طبقة من العبء. بدأت أرى في الكتابة طريقًا صغيرًا لكنه موجود. ليس لدي من يقرأ ما أكتبه. لا أحد هناك، لكنني أكتب لنفسي، فقط لنفسي.

مع الأيام، بدأت ألاحظ تغييرًا صغيرًا. الكتابة أصبحت نافذتي للعالم، أصبحت وسيلتي للتعبير عن كل ما لا أستطيع قوله. وشيئًا فشيئًا، بدأت أجد تلك الشرارة التي كنت أبحث عنها.

الحياة ليست سهلة، ولن تكون. لكن، ربما، فقط ربما، يمكنني أن أخلق منها شيئًا يستحق العيش. ليس للأحلام أن تموت طالما أننا نتمسك بها. وحتى لو كان الطريق مظلمًا، فإن خطانا هي التي تصنع النور أو هكذا أُمني نفسي.

يا قلبي، سأحاول مرة أخرى. ليس لأنني متأكد من النجاح، ولكن لأن المحاولة وحدها تعني أنني ما زلت حيًا.

الحياة ستظل دائمًا، على الأقل بالنسبة لي، عصية على الفهم، خارجة عن القواعد مهما حاولت.

ربما يومًا ما، سأجلس معك وأخبرك كيف أن كل تلك اللحظات المظلمة كانت مجرد بداية لطريق جديد. الطريق الذي وجدته داخل نفسي، الطريق الذي لم أكن أعلم أنه موجود.

Related posts

Leave a Comment